الخيط وعين الحياة
سيجد القارئ لهذه القصة نفسه إزاء تجربة فنّيّة جديدة: جريئة، مثيرة وغريبة. وقد يستغرب القارئ ما يقرأ، وقد يصل الاستغراب حد الاستذكار. ولكنه لن يكف عن القراءة حتى السطر الأخير. فالكاتبة تخلق عالماً غريباً، عالم النفس الإنسانية المعقد، وتستدرجنا إليه بمهارة فنية فائقة، فلا نملك سوى أن نوغل فيه حتى النهاية. أياً كانت ردود أفعالنا إزاء هذا العالم الغريب. تبدأ القصة بشخصية من الشخصيات التي تخلقها الكاتبة، وهذه الشخصية وهي الطبيبة تقوم بدور الراوية. ولا تلبث الطبيبة أو الراوية أن تنسحب بعد أن تعطينا الجانب العلمي البحت لحالة المريضة التي تعرض لها القصة، الجانب الذي يمس الظاهر ولا يتعمق إلى الباطن، الذي يشخص الألم ولا يتوصل إلى أعماق النفس الإنسانية أو أغوار اللاشعور وفي تناقض حاد مع هذا التعبير عن المظهر الخارجي، تأتي رسالة المريضة لتكشف عن الجانب الآخر من الصورة، عن العالم الداخلي. العالم الخفي. الذي قد نعيش ونموت ونحن على جهل قام به.
وبانتهاء رسالة المريضة، التي تستوعب الجانب الأكبر من القصة، يتكامل لعالم الشخصية في القصة الوجهان، الخارجي والداخلي، والمستويان الواعي واللاوعي، وندرك نحن القراء ما لا تدركه الطبيبة وما لا تدركه المريضة: أن الاثنين وجهان لنفس العملة، والطبيبة هي المريضة، والمريضة هي الطبيبة. والفاصل بينهما هو الفاصل بين العالم الخارجي والعالم الداخلي، بين عالم الوعي، وبين عالم الشعور واللاشعور، وكل تقف في تناقض مع الأخرى محتمية بعالمها عن العالم الآخر المكمل لعالمها