الإنسان ذو البعد الواحد - Do not use
إنَّ الحاجات التي يلبِّيها المجتمع الصناعيّ هي حاجاتٌ وهميَّةٌ من صنع الدعاية والإعلان ووسائل التواصل الاجتماعيّ، وإذا كان المجتمع يحرص على تلبية هذه الحاجات المصطنعة، فليس ذلك لأنَّها شرط استمراره ونموّ إنتاجيَّته فحسب، بل أيضًا لأنَّها خير وسيلةٍ لخلق الإنسان ذي البعد الواحد القابل بالمجتمع ذي البعد الواحد والمتكيِّف معه، ذاك الإنسان الذي استغنى عن الحرِّيَّة بوهم الحرِّيَّة. وإذا كان يتوهَّم بأنَّه حُرٌّ لمجرَّد أنَّه يستطيع أن يختار بين تشكيلةٍ كبيرةٍ من البضائع والخدمات، فما أشبهه من هذه الزاوية بالعبد الذي يتوهَّم بأنَّه حُرٌّ لمجرَّد أَنْ مُنِحَتْ له حرِّيَّة اختيار سادته!
إنَّ المجتمع الصناعيّ المتقدِّم لم يزيِّف حاجات الإنسان المادِّيَّة فحسب، بل زيَّف أيضًا حاجاته الفكريَّة، فكره بالذات. والفكر أصلًا عدوٌّ لدودٌ لمجتمعِ السيطرة، لأنَّه يُمثِّل قوَّةَ العقل النقديَّة، التي تتحرَّك دومًا باتِّجاهِ ما يجب أن يكون لا باتِّجاه ما هو كائن. وهذه القوَّة هي في خاتمة المطاف قوَّةٌ إيديولوجيَّة. والحال أنَّ المجتمع ذا البعد الواحد قد أحاط الإيديولوجيا بالازدراء والتحقير باسم عقلانيَّته التكنولوجيَّة، بل امتصَّها وأبطل مفعولها. فأصبحت المدنيَّة التقنيَّة هي الإيديولوجيا. وأبرزُ وجوهها الالتزامُ بالواقع القائم، ونبذُ المفاهيم الشموليَّة أو النقديَّة التي تهدِّد بالكشف عن بُعدٍ آخر لذلك الواقع.
Author:
هربارت ماركوز
Publisher:
دار الآداب
X-ISBN:
9789953893921