ذاكرة الوصال
مثل ماء النهر الذي يصبُّ في البحر، ثم يعود مرةً أخرى إلى بيته الأوَّل، جاءت الحكايات هنا.
مثل ذاكرة الأيام المتشابكة، تلاحقت الكلمات؛، لتكون حُرَّة، ماضية بلُهاثٍ خلف الفضول المهيمن للحواسّ، الذي أدى إلى الكتابة، في تجاوراتٍ تحكي عن الأسباب والنتائج في آنٍ واحد.
ذكرياتُ الحواسِّ شاسعةٌ على مدى الأيام والسنوات، التي تركت بصمتها فينا وعلينا، وعلى الفيلم الذي نسينا أننا شاهدناه ذات يومٍ وبكينا لموت البطلة.. ثم يتغير العالم من حولنا، ويصير التواصُل الحقيقي عزيزًا صعب المنال؛، إذ تحلُّ مكانه صِلاتٌ مبتسرة، عابرة، تبدأ بكلماتٍ سريعةٍ وتنتهي "بالإيموجي"، ويكون علينا أن نرضى بها، وأن لَّا نطمَحَ للقاءات حقيقية، لحضن محبَّة، للمسة دفء من قلب حَنُون؛، إذ فرض علينا الواقع عزلة مريرة، مُوحِشة، اقتحمت العالم كله، وتركته يواجه مصيره، وتركتنا معه نفكِّر: هل العالم يدور حول نفسه دورةً نصفيَّةً أم كاملة؟الطبيعةُ المتغيِّرة تتجلَّى في كل ما يحيط بنا، في رائحة التفاح والغاردينيا، وفي لحنٍ بعيدٍ يطرُق أسماعنا فجأة، وفي قصةٍ قصيرةٍ نتذكَّرها من أيام الصِّبَا، وفي ارتعاشةِ ورقةِ شجرٍ في الشتاء، وفي قضمةٍ من كعكة الطفولة التي صنعتها الجدَّة بمَحبَّة.