الغوريلا
يستهل الرياحي روايته باقتباسات بينها عبارة الكاتب الفرنسي جان جينيه الشهيرة "كلما كبر ذنبي في عيونكم صارت حريتي أكبر" وعبارة لأحد "الفتوات" المعروفين في تونس علي شورّب تقول "أنا الحاكم مانستعرفش بيه" أي إنه لا يعترف بالسلطة القائمة، بالعامية التونسية.
وترصد الرواية عار الدكتاتورية التي يعيش الكاتب في زمانها مختارا لها كخلفية مكانية شارع الحبيب بورقيبة الشهير في وسط العاصمة من خلال بدايته بتمثال الرئيس السابق بورقيبة، ثم برج ساعة 7 نوفمبر عام 1987 -تاريخ انقلاب زين العابدين بن علي على الحبيب بورقيبة- وانتهاء بتمثال عالم الاجتماع العربي الشهير عبد الرحمن بن خلدون، رابطا من خلال هذه الدلالة المكانية بين الحياة السياسة والجماعات التي تمارسها وتتلظى بنارها.
صالح أو الغوريلا، الشخصية الرئيسية في الرواية، الرجل الأسود والمهمش ونزيل الإصلاحيات والسجون، هو في الأصل لقيط من أطفال بورقيبة (الأطفال اللقطاء كما كان يطلق عليهم في تونس)، ولقب كذلك لبراعته في حراسة المرمى في لعبة كرة القدم، يحتج على الحياة والتاريخ، ويحتج على واقعه باعتباره عاملا في شركة يحرس ممتلكات أثرياء المجتمع من اللصوص والسماسرة، قبل أن يصبح حارسا لقبر الزعيم بورقيبة نفسه.
ويحتج الغوريلا -وقد جمع في شخصيته كل ملامح البطل التراجيدي- على الزمن، فيصعد برج ساعة 7 نوفمبر الشهير في تونس ويتعلق في عقارب ساعته في غفلة من البوليس والمخابرات، حيث إن هذا البرج من رموز عهد بن علي ومن الأماكن المحروسة -مثله مثل وزارة الداخلية القريبة منه- حراسة مشددة طيلة 24 ساعة.
وعندما يصل الغوريلا إلى عقارب الساعة ويحاول تغيير التاريخ، فتقوم قيامة البلاد، لقد مس عصب السلطة ورمزها ويأتي الجنرال بن علي بنفسه راكضا من خلال شخصية علي كلاب -ضابط الشرطة الفاسد المعروف بتاريخه الأسود في قضايا التعذيب- ويوبخ الحراس ويصفعهم ويبدأ في معالجة الأمر عسكريا وبوليسيا حيث إن هذا البرج إن خرج عن السيطرة سقطت دولته التي سرقها في غفلة من الزمن.
ولا يريد الغوريلا أن يترك عقارب الساعة تبقى كما هي معبرة عن الظلم والظلام والتسلط، ويحاول أن يقدمها إلى المستقبل أو أن يؤخرها إلى عصر أبيه الرمزى -الحبيب بورقيبة- على الأقل ليفوت الفرصة على "جنرال الظلام" وعائلته الفاسدة المزيد من امتصاص دم الشعب.